من الحياة-ايها الباسل.. !!

من الحياة-ايها الباسل.. !!
18/2/2008

لم ازل تحت تأثير الحزن العميق لوفاة المرحوم باسل طروة، وامضيت اياما غير مصدق بان الشاب الجريء الجميل خفيف الظل المبتسم دائما، قد رحل بهدوء لم تسبقه سوى عاصفة الحب والاحترام التي حظي بها المرحوم لما يتمتع به من وافر العطاء والاخلاص والتضحية والنضال، فهل يا ترى ان وفاته ارتبطت بعدم قدرة قلبه على مجاراته في محبة الناس والوطن والقضية، فلهذا توقف عن النبض فيما نسميه سكتة قلبية او جلطة دماغية، والامر سيان فقد تعددت الاسباب والموت واحد.
هذا الشعور اصابني ثلاث مرات من قبل، الاولى بوفاة ابني البكر في سن مبكرة جدا، والثانية لوفاة الصديق علي قعدان في ريعان شبابه، والثالثة لرحيل زميلي يوسف القزاز، وها هو باسل الذي عرفته من ثلاثة اشهر والتقيته مرتين فقط، واذا بي كمن عرفته منذ ثلاثين عاما، فانه يعز علي ان ارى من احببتهم يرحلون واحدا تلو الاخر بينما نحن بالانتظار ولا نعلم ان كنا سنرحل موتا عاديا كما رحلتم، او برصاصة طائشة او طلقة قنص مثلما يموت كل يوم عشرات الابرياء، او بطعنة غدر في الظهر من اشخاص عرفناهم وعاشرناهم وتقاسمنا معهم لقمة العيش، او نموت قهرا وكمدا وحزنا على ما وصلت اليه احوالنا في هذه الظروف السوداء حيث يصبح الموت الفجائي بالسكتة وغيرها اسرع من طرفة العين.
فقبل سنوات قليلة مضت ثقيلة كالجبال رحل اصدق الاصدقاء واحبهم المرحوم علي قعدان بعد ثلاثة ايام من لقائنا الذي تحدثنا فيه لساعات عن المستقبل والحياة والموت، ومنذ رحيله حتى هذا اليوم ما زلت افتقده كلما رأيت احدا من اصدقائنا المشتركين، وكلما مر بي شريط الذكريات عن تلك الايام الجميلة، وقبل اسبوعين رحل يوسف تاركا جرحا في القلب وشرخا في الذكريات، وقبل يومين رحل باسل طروة الشاب الذي لا يملك كل من عرفه الا ان يحبه تاركا عبقا زكيا في نفسي واعتقد ان ذات العبق تركه الراحل في نفوس كل من عرفوه وعاشروه، وعندما تلقيت نبأ وفاته داهمني شعور بأنني خذلت الفتى بعدم تلبية الدعوة لزيارة بيروت..
فقد ألح علي بشدة لألبي دعوة الاخ عباس زكي ممثل منظمة التحرير في لبنان لزيارة بيروت مع زميلي زعل ابو رقطي واحمد زكي، وظل يواصل الالحاح المصحوب بضحكات كالسلسبيل او خرير الماء العذب حتى قبل يوم واحد من انتهاء الزيارة قائلا ان بالامكان تمديد الفترة لاسبوع اخر، المهم ان تأتي فسوف نمضي معا اوقاتا جميلة، لكنني اعتذرت بسبب السفر الى القاهرة لحضور مهرجان الاذاعة والتلفزيون، على امل تلبية دعوة اخرى هذا الصيف، واثناء وجودي في القاهرة عاود الاتصال بي ليحثني على الحضور، ما اجمل بيروت ولبنان، هنا سترى ما لا يمكنك ان تراه في اي مكان في الدنيا، الطبيعة والناس والبحر والجبل، من احلى ما يكون، هكذا قال في اخر حديث هاتفي، فضحكت وقلت : انت تعرف يا باسل ان لي في بيروت ذكريات جميلة لن انساها ما حييت.
رحمك الله يا باسل واسكنك فسيح جناته، والهم اهلك وزوجك وابناءك وذويك الصبر والسلوان، ونم قرير العين في دار الاخرة، فانت عنوان من عناوين الاخلاص والتضحية، وشعلة الامل لنا نحن الذي ما زلنا ننتظر وما بدلنا تبديلا، فانا ان بكيتك فانما ابكي احوال هذا الزمن (زمن الرويبضة) لما وصلت اليه احوالنا، وابكي الاحياء الذين هم في واقع الحال موتى بلا قبور، فكثير منا ايها الراحل العزيز نخالهم احياء بيننا، بينما هم في حكم الموتى، وكثير من الموتى احياء في قلوبنا بذكراهم كما انت وكل من سبقوك من الاصدقاء الطيبين، وعزائي انك ان مت اليوم فلن تموت كل يوم مثلما نحن.. !!
باسم ابو سمية :الحياة الجديدة

رحمه الله
وندعو الله ان يتغمد فقيدنا في جناته
كلنا حزننا لموته

الله يرحمه

الله يرحمة ايجعل مثواة الجنة